طلب العلم بالكتاب والسنة

الشَّيخ: أبو عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله-

الملفات الصَّوتية:
الملف الصَّوتي
تحميل
كلمة الشيخ في طلب العلم بالكتاب والسنة
التفريغات:
اسم الملف
تحميل
كلمة_الشيخ_في_طلب_العلم_بالكتاب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، ألا وإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي نبينا - صلى الله عليه وسلّم – وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلاله، وكلَّ ضلالة في النَّار.

ألا وإني أحمد الله إليكم على نعمة الإسلام، وأصلي وأسلم على محمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلّم – معلم البشرية وهاديها إلى صراط مستقيم، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للاهتداء بهديه والتمسك بسنته والعمل وفق شريعته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا المسجد الذي جمعني الله وإياكم فيه لنرى الأسئلة التي يطلبها الإخوة، فيسألني الإخوة أن أقول كلمة قبل الشروع في طرح ما عندهم من مسائل، فأقول:

إن خير ما يسعى إليه المسلم ويبذل فيه النفس والمال إنما هو العلم بالكتاب والسنة اللذين عليهما مدار السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، قد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلّم – ذلك فقال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي»، فكُلُّ ما يُؤَلَّف في الكتب الفقهية سواء في التفسير، أو في الحديث، أو في العقيدة، أو في الأصول والفروع وما إلى ذلك، وكل ما ينشر في الصحف والمجلات الإسلامية، وكل ما يقال ويلقى في الندوات والدورات وذلك إنما هو بيان الشرح بهذين المصدرين على ما قلنا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلّم – بحسب اجتهادات المجتهدين، وبحسب القدرات الذهنية، والمواهب التي يتحلى بها ويتمتع بها هؤلاء المؤلفين والمصدرين والملقين، بحسب ما آتاهم الله من فضله.

لما كان أعز ما يطلبه المسلم هو العلم بالكتاب والسنة فلا ينبغي أن يمنعه الكسل أو العجز عن طلب ما يتعلق بمعرفة دينه؛ وأداء ما وجب عليه من فرائض في أدائها بالوجه المطلوب شرعا، ذلك لأن العجز والكسل خلقان ذميمان استعاذ منهما النبي - صلى الله عليه وسلّم – فقال: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل»، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلّم – أوصى بالحرص والعمل، فقال في حديث آخر: «واحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».

كذلك لا يثبطه العجب والغرور عن الاستزادة بالعلم وعن الاستفادة من الظواهر أي لا يكون الحائل بينه وبين طلب العلم بالكتاب والسنة ذلك العجب الذي هو أخو الرياء، الرياء هو إظهار الجميل ليراه الناس لا لأجل الله -سبحانه وتعالى- فمن كان مرائيا فلا يحقق قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ} [سورة الفاتحة:5]، وأما المعجب بعلمه وعمله فلا يحقق قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} [سورة الفاتحة:5]، لذلك فالعجب والغرور خلق ذميم أيضا يعوق الطريق على المسلم في التدرج في مدارج الكمال كما هو من أعظم المهالك في الحال والمآل.

كما على المسلم أن يتحلى بخلق العدل وقد أوجب الله -سبحانه وتعالى- العدل في كل شيء، وأن الله -سبحانه وتعالى- يحب المقسطين، قال الله -سبحانه وتعالى-: {۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ} [سورة النحل:90]، وقال: {وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٩} [سورة الحجرات:9]، فالعدل الذي ينبغي على المسلم أن يتحلى به:

- أولا تجاه ربه، فإن العدل بينه وبين الله -سبحانه وتعالى- تجريده، تجريد التوحيد له سبحانه وتعالى بمعنى يعبده خالصا، ولا يشرك معه أحدا، فيمتثل ويطيع ولا يعصي، ويذكره ولا ينساه، ويشكره ولا يكفره هذا العدل مع الله سبحانه وتعالى.

-كما أن المسلم إذا حضي بمنصب حكم وقضاء فالواجب عليه أن يعدل بين رعيته ويعدل أيضا بين خصومه الذين احتكموا عنده لهذا يأمر الله سبحانه وتعالى كما في الآية إن الله يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فأوجب العدل.

-كذلك المسلم الذي له أكثر من زوجة الواجب عليه أن يعدل بين زوجاته لقوله تعالى: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً} [سورة النساء:3].

- فيعدل الرجل بين أولاده فلا يقدم ولا يخصص أحد الأولاد أو بعض الأولاد عن البعض الآخر سواء فعل فلن يرضهم كما حصل في حديث النعمان بن البشير أنه جاء النبي - صلى الله عليه وسلّم – إليه يشهد له في عطية أعطاها لأحد أبنائه فقال -عليه الصلاة والسلام-: «هل كل بنيك نحلت؟»، قال: لا، قال: «لا أشهد على زور»، (..) في رواية: «أيسرك أن يكونوا لك في البرِّ سواء»، قال: نعم، قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، لذلك من واجب الأب أن يعدل بين أولاده، والعلماء إن كانوا يختلفون في وجه العدل بين الأولاد: بين القائلين بأنه إنما يكون للذكر مثل الأنثى، فالمذهب القوي أنه يعدل بين الأولاد على نحو ما قسَّم الله -سبحانه وتعالى- بين الذكر والأنثى بعد الوفاة، أي يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.

- كذلك من العدل أن يعدل في القول ومن العدل في القول أن لا يقول زورا وأن لا يقول قولا غير سديدٍ بحيث أنه يميل إلى غيره محاباة أو بأن يسخر أو ما إلى ذلك، قال الله -سبحانه وتعالى-:{وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ}، الواجب أن يعدل في القول ويقول القول السديد، والمراد بالقول السديد هو القول الموافق للصواب، لهذا أمر أيضا الله -سبحانه وتعالى- فقال:{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١} [سورة الأحزاب:70-71]، القول السديد يقترن به اللين في الكلام ومحاورة الطالب الحق من غير غلظة  ولا سذاجة ولا تبكيت، وإنما يكون القول السديد الموافق للصواب تقترن به الخلق الذي أمر به سبحانه وتعالى في الدعوة إلى الله، وقال جل من قائل:{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ } [سورة النحل:125]، قال -سبحانه وتعالى-:{فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ } [سورة آل عمران:159].

-كذلك من العدل أيضا أن يكون هناك العدل في المعتقد، بمعنى الواجب على المسلم أن يعتقد الحق ولا يجوز له أن يعتقد الباطل، ومن العدل وقوفه اعتقادا وعملا باطنا صادرا على الحق مهما كان، فإن وقف وقفة الحق فيكون متماشيا مع ما يأمره الشرع به من الوقوف مع الحق، بل يذهب الشرع إلى أبعد من ذلك في العدل، فأوجب العدلَ قدرًا عمَّا قد ذكرنا آنفا العدل بين الزوجات وأولاده بل حتى مع نفسه. فالشرع أمره أن يعدل حتى في مشيته، {وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ} [سورة لقمان:19]، وأمره أن يعدل في نعله فلا يمشِ بنعل واحدة، وأمره أن يعدل ببدنه فلا يجوز له أن يجلس نصفه في الشمس ونصفه في الظل لأنه لم (..)، هذه العدل المطلوب بين أعضائه، بل أمره حتى أن يعدل في شعره فلا يأخذ من الشعر على هيئة القزع بحيث لا يأخذ كل شعره فيأخذ من جانب ويترك من جانب، قال عليه الصلاة والسلام للرجل الذي حلق لابنه قزعا فقال: «احلقه كله أو اتركه كله»، وهنا إذا العدل يتحقق حتى في جسمه.

فإذا السير أو التحلي بخلق العدل، أو الاتصاف به، أمر أو خلق عظيم إن حققه فقد حقق نفعا كبيرا.

وعلى المرء أيضا أن يتحلى بخلق الصدق، ذلك لأن الصدق فضلا عن كونه خلق فهو من كلمات الإسلام ومن الإيمان، وأنه بالصدق الصدق يؤدي طريقا إلى أبعد أماني المسلم وأقصى أمانيه وهو دخوله الجنة كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، فإيَّاكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّابا» لذلك أوجب الصدق وأوجب اجتناب هذا؛ اجتناب الكذب، لأن مصيره إلى النار، بل أثنى الله -سبحانه وتعالى- على الصادقين وأوجب علينا أن نكون معهم، فقال الله -سبحانه وتعالى-: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩} [سورة التوبة:119]، بل أثنى على الصادقين في العديد من الآيات القرآنية، قال: {وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ} [سورة الأحزاب:35]، وقال:{ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ} [سورة الأحزاب:23] ... الخ.

-والصدق لا المظاهر، الصدق قد يكون الصدق في الحديث باللسان، اللسان  إذا تكلم يكون لا يقوله جذورا ولا يقول الكلمة، وفي الحديث الصحيح: أن المسلم لا يكذب، أي أن المسلم كامل الإسلام يمنعه إيمانه أن يكذب، الواجب عليه أن يقول الصدق ولو كان مرًّا، بل جعل النبي - صلى الله عليه وسلّم – من علامات المنافقين الحديث المرفق في الكذب، قال: « آية المنافق -كذا وذكر- إذا حدَّث كذب».

-كذلك من الصدق: الصدق مع الغير، الصدق مع الغير من المسلمين أن تكون نصيحته حيث يرى أن فيها عنده نكر، فينصحه بذلك الشيء الذي يريده لنفسه فلا يقابحه ولا يغشه، فإن فعل ذلك فيكون صادقا معه.

-كذلك من الصدق: الصدق في العزم، فإن أقبل المسلم على خير من الخيرات من الله -سبحانه وتعالى- أمر بالخيرات، وفعل الخيرات فقال المولى -عز وجل-:{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ ٧٧} [سورة الحج:77]، وقال الله تعالى: {يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُون} [سورة المؤمنون:61]، وقال: { فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ} [سورة البقرة:148]، وقال: {۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ} [سورة آل عمران:133]، فمن الصدق أن لا يتردد في فعل الخير بل لابد أن يكون صادق العزم، وأن يَمضِيَ بكل قُوَاه إلى فعل ذلك الأمر الذي يعود عليه بالخير والفرج.

كذلك من الصدق أن يكون صادق الوعد، فالصدق في الوعد؛ إذا وعد أتى بما وعد به على نحو ما اتفقا عليه؛ مكانا بضاعة أو ما إلى ذلك، وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلّم – في نفس الحديث السابق: «أن آية المنافق إذا وعد أخلف».

كذلك من الصدق: صدق الحال، الإنسان ينبغي أن يكون في حاله يظهر المظهر الحقيقي ولا ينزل منزلة ويذمها، ولا ينزل منزلة هو فُرقَة، فلابد أن يكون حاله يترجم ما هو عليه في حقيقة الأمر، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور».

فأختم هذا الكلام بأنَّ المسلم -أيضا- يحرص أن يكون متخلقا بخلق الاعتدال، والاعتدال هو أصل الاستقامة، بل يجب أن يكون وسط بين المغالاة والمجافاة، وسط بين الإفراط والتفريط، كما هو شأن هذا الدين فهو وسط بين اليهودية والنصرانية، كما قال تعالى:{ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧} [سورة الفاتحة:7]، أي ليس المغضوب عليهم هم اليهود ولا الضالين هم النصارى، هذا وسط يبن هذا وذاك.

وأهل السنة والجماعة وسط بين سائر الطوائف لأنها ليست من أولئك الغلاة في الدين كالخوارج ومن على شاكلتهم، أو ممن يتَّصفون بالمجافاة والتفريط كشأن المرجئة ومن تبعهم، في اختلاط أنماطهم وأشكالهم وأنواعهم، أهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، ووسط لا شطط ولا وسط لكونهم، ويكفي صاحب الاستقامة والاعتدال شرفا وفخرا قوله تعالى:{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا ١٦} [سورة الجن:16]، وقوله تعالى أيضا في الآية:{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١٣} [سورة الأحقاف:13].

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى التخلق بهذه الأخلاق الحميدة، لأن هذه الأخلاق في أصل الدعوة السلفية وأسس بنائها إنما تنبني أساسا على التوحيد وعلى الاتباع وعلى التزكية، وهذه التزكية هي أن يطهِّر النفس من كل الغوائل من كل العوالق الذميمة التي قد يتصف بها فلا ينبغي أن يتصف بها المسلم، هذه التزكية أساس من أسس ومن الدعائم الكبرى للدعوة السلفية المباركة.

وأظن أنِّي ذكرت كلمة قصيرة حول هذه المسألة التي أردت أن أُؤَسِّسَ كلامي على هذا الأساس الأخير وهو: وجوب التخلق بالأخلاق الصحيحة الفاضلة التي دعى إليها السلف حتى ينعكس في سلوك المسلم وسيرة المسلم، فتجد الفضاء الصحيح خاصة عند النفوس من يتعاملون معهم فلا يعاملونهم بغش، يكونون صادقين معهم، ولا بخداع وأن يتعاونون معهم على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، ذلك لأن أساس الأخوة الإيمانية القائم على التعاون في الدين، فلو انتفى التعاون في الدين تنتفي معه تلك الأخوة الإيمانية، ولا شك أن الأخوة الإيمانية أقوى وأولى من أخوة النَّسب، قال الله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ} [سورة الحجرات:10] حتى الأبوة الدينية أولى من الأبوة الطينية -كما يقال- أي أولى من أبوة النسب، لأن أبوة الدين إنما هي راصد من رواصد الآخرة أما الأخرى فليست كذلك ولا شك، لأن الآخرة أولى من الدنيا كما قال الله -سبحانه تعالى-: {وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ} [سورة الضحى:4]، وقال: {قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا ٧٧} [سورة النساء:77].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.