حكم إقامة المعتدّة لوليمة فك الرباط بعد انتهاء عدتها

رقم المَجلِس: 71
رقم الفَتوى: 1
المُؤلف: الشيخ أزهر سنيقرة
تاريخ المَجلِس: 13-07-1439 هـ
الملف الصَّوتي تحميل
تحميل

السؤال:

عندنا بعض النساء عندما تنتهي عدتها تقوم بدعوة بعض النساء إلى بيتها لتكرمهم بداعي أنها حلت الرباط بمعنى انتهاء مدة العدة، فما حكم هذه الوليمة؟

الجواب:

-خطبة الحاجة-

نحمد الله تبارك وتعالى على تيسير هذا اللقاء في هذه المواعيد التي نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقنا فيها لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع بها إخواننا على ما يرضيه -تبارك وتعالى-، نجتمع على ذكره وعلى ما ينفعنا الله به، وإن تناءت بيننا وبينكم الديار، وإن بعدت بيننا وبينكم المسافات، وهذا من فضل الله جل وعلا علينا فاللهم لك الحمد والشكر، كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يسدد أقوالنا وأفعالنا، وأن يلهمنا دائما رشدنا إنه سميع مجيب.

أقول جوابا على هذا السؤال الأول المتعلق بمسألة من مسائل العدة؛ وهي ما تعلق بانقضاء عدة المرأة، ولم يحدَّد في السؤال نوع هذه العدة، هل هي عدة طلاق؟ أم هي عدة وفاة؟ فكيفما كان الأمر فإنّنا نجيب بتوفيق الله -تبارك وتعالى- بما ذكره أهل العلم في هذه المسألة.

ومعلوم أنّ عدة الوفاة جاء فيها حديث أم عطّية – رضي الله عنها – التي قالت فيه: «كنا نُنهى أن نحدّ عن الميت فوق ثلاث، أي فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج فأربعة أشهر وعشرا ولا تكتحل ولا تتطيب ولا تلبس ثوبا معصفرا»(1)، هذا بالنسبة للمعتدة فتجب عليها أحكام ، ويذكر بعض أهل العلم أنها من آخر حقوق الزوج على زوجته التي فيها نوع من الوفاء لهذا الزوج.

الوفاء الذي جاء به دين الإسلام، الوفاء في كل شيء لأنّه من الخصال الحميدة والصفات الكريمة، لا يتّصف به إلا الكرماء، وضدّه لا يتصف به إلا اللئام، كالغدر والخيانة؛ فهذا من أخس وأقبح الصفات التي لا يُعرف بها إلا الكافر أو المنافق ذو الوجهين؛ الذي يُظهر للنّاس وجها ويخفي وجها آخر، وهؤلاء الذين قال الله -تبارك وتعالى- في حقهم: ﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزئون، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون[البقرة:13-14]، فهؤلاء غافلون على أنّ الذي في السّماء يعلم حالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ولكنّهم غافلون في سكرة الهوى التي تدفعهم إلى الشّر وتمنعهم من الخير؛ فلا يرجعون ولا يتوبون وهذه أوصافهم التي ذكرها لنا ربنا في كتابه، وبيّنها نبيّنا -عليه الصلاة والسلام-.

فالمرأة المعتدّة تبقى هذه المدة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ولا يجوز لها المبيت في غير بيت العدة، أي: في غير البيت الذي اعتدت فيه، فلا تتزين، لا تعرض نفسها إلى الخُطّاب، ولا يجوز خطبتها ولا العقد عليها، هذه هي الأمور التي تحرم على المعتدة، فإذا انتهت مدة عدتها، وانقضت؛ رُفِع عنها الحكم السابق، وما كان محرما في حقّها يصبح حلالا إلى حكمه الأول، فيباح لها أن تتطيّب التطيّب الشرعي، وأن تلبس المعصفر، وأن تخرج لحاجتها، وما إلى ذلك.

وأما ما يفعله بعض الناس وبعض المجتمعات سواء التي انقضت عدّتها من طلاق أو من وفاة فإنّها تجمع أقاربها وجيرانها وتكوّن شبه وليمة وتتزيّن لأجل ذلك، بل في بعض المجتمعات -نسأل الله عز وجل العفو والعافية- يحضر في المجالس حتى الرجال؛ وكأنها تعرض نفسها لمن يريد أن يتقدم لها من هؤلاء الرجال، وهذا في الحقيقة كله منكر وإحداث في دين الله -تبارك وتعالى-، ومن البدع التي ما أنزل الله- عز وجل- بها من سلطان، ولهذا فإننا ننصح أخواتنا في مثل هذه المجتمعات، التي ابتُلِيت بمثل هذه المنكرات أن يتميّزن عن غيرهنّ، وهن في الحقيقة متميّزات بما أنعم الله -جل وعلا- عليهن من الاستقامة على دين الله -جل وعلا- والسير على هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلّم –، وهذه نعمة عظيمة من نعم الله -جل وعلا- علينا جميعا؛ فالواجب على أخواتنا المستقيمات على دين الله -جل وعلا- أن لا تقلّدن غيرهن، وأن لا تقعن في مثل هذه المنكرات والله نسأل أن يطهّر بلادنا وسائر بلاد المسلمين من مثل هذه البدع المنكرة التي لا خير فيها لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»(2)، ولقوله كما جاء في حديث عائشة: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد»(3) أي مردود عليه، والله -تبارك وتعالى- أعلم.


(1) البخاري:313 ومسلم:983.

(2) مسلم:867.

(3) مسلم:1718.