كلمة توجيهية حول ظاهرة الدفن في المساجد

رقم المَجلِس: 122
رقم الفَتوى: 01
المُؤلف: الشيخ أزهر سنيقرة -حفظه الله-
تاريخ المَجلِس: 5 شعبان 1442 هـ
الملف الصَّوتي تحميل
تحميل

السؤال:

هل من كلمة توجهونها بخصوص ما بات يتكرر في بلدنا من دفن الموتى وإقبارهم داخل بيوت الله تعالى؟

 

الجواب:


وأول سؤال من أسئِلة هذا اللقاء متعلق بهذه الآفة التي هي مع الأسف الشديد باب من أبواب الشرك بالله تبارك وتعالى، وذريعة من ذرائعه، وهذا منكر كان قديما، وعاد مرة أخرى؛ وهذا لكثرة أهل البدع والأهواء، ولمحاولتهم صد الناس عن سبيل الله بنشر الباطل والدعوة إليه، وأول باطل وقع في بني آدم؛ هو الشرك بالله الذي كان سببه تقديس الأشخاص؛ ومن صور هذا التقديس أن يعامل بعض الموتى بغير المعاملة التي يتعامل بها مع سائر المسلمين.
ديننا ولله الحمد والمنة فرّق بين المسجد والمقبرة، وهما أمران لا يجتمعان، خلافا لما كان عليه أهل الشرك والضلال ممن سبقنا من الأمم، ولهذا صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(( لعن الله اليهود والنصارى، لم؟ وما هو سبب اللعن؟ أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، إذا كان اتخاذ قبر النبي مسجدا منكر عظيم يستحق أصحابه لعنة الله تبارك وتعالى، والأنبياء هم أشرف المقبورين فكيف بمن دونهم؟! مهما علت مرتبتهم ومهما كانت درجتهم؛ لأن الله جلَّ وعلا اصطفى من خلقه هؤلاء الأصفياء من أنبيائه، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من رسله أولي العزم منهم، واصطفى من هؤلاء خير الأنبياء والمرسلين وسيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام؛ الذي قال عن نفسه وعن قبره: ((لا تتخذوا قبري عيدا))، والعيد إما أن يكون زمنيا أو مكانيا، فهذا يدل على أن هذا الأمر منكر في دين الله جل وعلا، وهذا في سائر الأمم، ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك)) هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام يحذر مما وقع فيه غيرنا ممن سبقنا من الأمم، ((من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم)) الأنبياء والصالحون معظمون عند أممهم؛ ولكن هل لهذا علاقة بالتعظيم؟ كلا! هذا علاقته بالتعظيم الشركي الذي يسخط الله تبارك وتعالى، نحن مأمورون بإجلاء الأنبياء وأداء حقهم ومعرفة قدرهم ولكن من غير غلو ولا جفاء، من غير إفراط ولا تفريط، والإفراط مذموم كما هو حال تفريط، فلا غلو ولا جفاء في الأمور كلها وخير الأمور أوسطها عند الله، والوسطية في دين الله هي الحسنة بين السيئتين.
فهذا المنكر العظيم نبرأ إلى الله جلَّ وعلا منه ومن أهله وينبغي أن يعلم هؤلاء جميعا أن كل من ابتدأ مثل هذا وكان سببا فيه إلا ويلحقه من الوزر والإثم ما لحق أوزار من سبقه نسأل الله العفو والعافية.
والمنكر يجب أن ينكر ويدفع من ولي الأمر ينكر باليد وممن دونه ممن لا يقدر على هذا ينكره بلسانه على العلماء والأئمة والدعاة أن ينكروا هذا بألسنتهم بيانا للحق وصدعا به وفضحا للباطل وأهله هذا هو الواجب بالأدلة الشرعية والآثار السلفية. ديننا ما كان عليه الأولون، ما ترك النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه عليه وقد تركهم على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك في الأمور كلها.
والشرك بالله جلَّ وعلا من أعظم الأمور التي يجب إنكارها وبيان شرها وخطرها فإننا نبرأ إلى الله من مثل هذه الشرور التي هي من بدع المتصوفة، إذا مات الميت ممن يعتقدون صلاحه وإمامته عظموه سواء بدفنه في مكان عبادتهم وتوحيدهم لربهم والمساجد ما بنيت إلا لذكر الله والصلاة، ما بينت لأن يعظم فيها الخلق مهما كانوا.
وهؤلاء الضلال يحتجون بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده وهذا ضلال مبين القبر ليس في مسجده والنبي عليه الصلاة والسلام ما دفن في مسجده؛ إنما دفن في بيته لأنه نبي من الأنبياء والله جلَّ وعلا خصَّ بخاصية ليست لغيرهم أنهم يقبرون حيث يقبضون في المكان الذي يقبض فيه النبي يدفن تكريما لهم، فدفن النبي في بيته وفي حجرة أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها ولما دفن في هذا المكان أصبح هذا المكان مقبرة ولهذا دفن فيه معه صاحبه وخليله أبو بكر رضي الله تعالى عنه ودفن معهما الفاروق وقصة دفنه معروفة في السيرة، دفن الفاروق فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه مجتمعين كما كانوا كذلك في الدنيا، فليس لهم في هذا حجة وإنما أدخلت الحجرة لما توسع المسجد وممن شهد هذه التوسعة من السلف الإمام مالك وغيره من الأئمة أنكروا أن تدخل الحجرة في المسجد.
هذا عن حكم هذا الفعل الشنيع لا يجوز الدفن في المساجد ولا تجوز الصلاة في المساجد التي فيها قبور وإذا بني المسجد على القبر وجب هدمه وإذا أقبر الميت في المسجد وجب إخراجه حتى يبقى هذا الفصل والتباعد بين المساجد والمقابر، مقابر المسلمين هي الأماكن التي يدفن فيها هؤلاء كما دفن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المقابر في المدينة في البقيع أصحاب رسول الله وبنات النبي وأمهات المؤمنين كلهم دفنوا في هذا المكان.
فنسأل الله جلَّ وعلا أن يرفع عنا هذا البلاء وأن يذهب عنا أهله وأن يوفق ولاة أمر المسلمين لإنكار هذا المنكر العظيم والضرب على يد المفسدين حتى لا يضلوا الناس عن سبيل الله وحتى لا يحل الشرك مكان التوحيد لأن هذه الأمة أمة توحيد لله رب العالمين تسير على وفق ما شرع الله جلَّ وعلا لها وحثها عليه نبيها عليه الصلاة والسلام. فنسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي هؤلاء وأن يبعد شرهم عن المسلمين وأن يجعل هذا البلد توحيد خالص لله تبارك وتعالى والله تبارك تعالى أعلم.