لو أنكم أيها الناس تملكون التصرف في خزائن الله،لو أن الله أعطاكم حق التصرف في خزائن الأرزاق وفي خزائن النعم، التي لا تنفذ ولا تبيد ولا تنتهي،كيف سيكون حالكم؟ إذا ستمسكون عن الإنفاق ستبخلون خشية الفقر والفاقة،إذا لو أُعطيت لكم الخزائن وقيل لكم قسموا هذا على الخلق فإنكم ستخفون كثيرا منها لماذا؟ خوفا من أن تصبحوا فقراء وخوفا أن ينفذ وينتهي ما تنفقون منه،مع أنه من المحال أن تفرغ خزائن الله أبدا،لأن هذا من طبائعكم ومن سجاياكم معشر البشر. ولهذا قال الله تعالى في آخر الآية: كَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا 1. ما معناه؟ أي كان الانسان مطبوعا على الشُّح وعلى البخل والمنع،وفي هذا المعنى يقول الله تعالى في سورة النساء:أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا 2. لو أن للبشر نصيبا في ملك الله،الله تعالى يعطيهم الحق ويقول هاكم هذا الملك، وهذا الخزائن وهذه الأرزاق وقسموها على الناس،ماذا قال الله تعالى عنا وهو أعلم بحالنا لأنه خالقنا قال:إذا لشحوا لو أعطاهم الله تعالى هذا الأمر لبخلوا أشد البخل،ولما أعطوا أحدا شيئا ربما سيعطونه لقرابتهم ولمعارفهم ولكن سيخفون أكثره . والله ضرب المثل هنا قال: : فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ،يعني حتى مقدار النقير ما هو النقير؟ هو النقطة التي في النواة،وعادة ما يُضرب به المثل لشيئ تافه والشيئ الحقير. فالله تعالى يصف الانسان من حيث هو إلا من وفقه الله تعالى وهداه،بأن البخل والشُّح صفتان لازمتان له،حتى قال الله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ 3. نفوس بني آذم أُحضرت الشُّح،ولهذا الانسان يُجاهد نفسه لأن نفسه أُلزمت على هذا الشُّح وجُبلت عليه،والشُّح ما هو؟ هو عدم الرغبة في بذل ما على الانسان،والإفراط في الحرص على الحق الذي له. الانسان دائما يريد أن يُعطى الحق ولكن هو لا يعطيه لغيره،وقال ابن فارس: الشُّح هو البخل مع الحرص. وعلى هذا يكون الشُّح أشد من البخل،فينبغي على الانسان أن يحرص على إقتلاع هذا الخلق الدنيئ السيئ من نفسه،ويستبدله بضده وهي السماحة وهو بذل الحق الذي عليه والاقتناع ببعض الحق الذي له. ولهذا قال الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ 4. ترى بعض الصالحين وهذه نزلت في الصحابة،أنه يعطي لغيره شيئا هو بأمس الحاجة إليه،وقيل نزلت في رجل من الصحابة مع زوجه نزل عندهم ضيف وليس لهم من الطعام إلا ما يكفيهم،ماذا قال لزوجته؟ قال: نومي الصغار أي تظاهري بأنك تحضرين الطعام إلى درجة أن يتعبوا فيناموا،ينامون على الطوى ينامون على الجوع لماذا كل هذا؟ حتى يكرموا به الضيف ،فلما جاء الضيف أمر زوجته بأن تتظاهر بإصلاح القنديل المصباح،وبينما هي تفعل ذلك أطفأته عمدا حتى لا يرى ماذا سيحدث،قدم له الطعام فأكل وهم كانوا يتظاهرون بأنهم يشاركونه الصحن وما أكلوا شيئا حتى أكل وشبع. فتعجب الله تعالى لصنيعهما وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ،هذا الإيثار عكس الأثرة ،الأثرة هو أن تحب نفسك أكثر من غيرك،والإيثار هو أن تحبك لغيرك ما أكثر ما تحب لنفسك، وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ،ولو كانوا هم أحوج إلى هذا الأمر لكنهم يعطونهم لغيرهم،هذا هو المسلم الحقيقي أما هذا الذي يتبع نفسه ويسير وراء هواه،فإنه يصبح بخيلا شحيحا . فإذا أصل الانسان أنه لو كان عنده شيئ حتى وإن كان ليس من ملكه،هو من ملك الله لو قال له هاك وزعه فسيخفيه،وتلاحظ بعض الأغنياء بل قل أكثر الأغنياء،وأصحاب الثروات والمنازل والمسؤوليات ماذا؟ يجمعون ما لا يستعملون،سمعت يوما شخصا والله أعجبني كلامه قال: يعني سبعين بالمئة مما يملكه الناس لا يستعملونه. تجد عنده مثلا عشر سيارات هل يقود هذه العشر؟ قد يسوق سيارة اثنتين ثلاثا،لكن السبع الأخرى يخفيها في مستودعه ويموت ويتركها خلفه. عندو مليارات الدنانير هل يأكلها جميعا؟ عندو مليارات الدنانير هل يأكلها جميعا؟ هل يشتريها جميعا ؟ لا هي شهوة فقط جمع المال الكثير،يستعمل بعضه وأكثر المال مخزون ويُحاسب على ذلك المال. هو لا يدري أنه مُحاسب على كل دينار يملكه،النبي صلى مرة ثم قام وتخطى الرقاب،يعني مر على الناس وليس من هديه عليه الصلاة والسلام،بل هو الذي نهى عن تخطي الرقاب،خرج مسرعا فظنوا أن أمرا مكروها وقع،فإذا به تذكر أنه ترك دنانير في البيت خشي أن يموت وتبقى خلفه،فأمر بتوزيعها الله أكبر. انظر إلى الانسان الذي تكون الآخرة نيته ولا تكون الدنيا همه،فإذا الانسان هذا بطبعه بخيل شحيح،فعليه أن يجاهد نفسه حتى يقتلع هذا الخلق الدنيئ من نفسه. وقد ضرب الله هذا المثل العظيم قال: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ،فإذا لو كان لهم هذا النصيب من ملك الله، لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا،النقير هذا النقطة فقط سوداء في النواة،نواة التمر والله تعالى يضرب الأمثال للأعراب بما يعقلون لأن التمر معروف عندهم . انتهى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1-سورة الإسراء 2،3-سورة النساء 4-سورة الحشر تفريغ أم صهيب السلفية